الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الخِطط المقريزية المسمى بـ «المواعظ والاعتبار بذكر الخِطط والآثار» **
فقال في آخر الخامسة من تدبير الصحة بهذا اللفظ وهم يسمون من كان في هذا السن: الهرم وهو اسم مشتق من الأهرام التي هم إليها صائرون عن قريب. وقال الحوقليّ في صفة مصر: وبها الهرمان اللذان ليس على وجه الأرض لهما نظير في ملك مسلم ولا كافر ولا عمل ولا يعمل لهما وقرأ بعض بني العباس على أحدهما: إني قد بنيتهما فمن كان يدّعي قوّة في ملكه فليهدمها فالهدم أيسر من البنيان فهمَّ بذلك وأظنه المأمون أو المعتصم فإذا خراج مصر لا يقوم به يومئذِ وكان خراجها على عهده بالإنصاف في الجباية وتوخي الرفق بالرعية والمعدلة إذا بلغ النيل سبع عشرة ذراعًا وعشر أصابع أربعة آلاف ألف ومائتي ألف وسبعة وخمسين ألف دينار والمقبوض على الفدّان دينارين فأعرض عن ذلك ولم يعد فيه شيئًا. وفي حدّ الفسطاط في غربيّ النيل أبنية عظام يكثر عددها مفترشة في سائر الصعيد تدعى: الأهرام وليست كالهرمين اللذين تجاه الفسطاط وعلى فرسخين منها ارتفاع كل واحد منهما: أربعمائة ذراع وعرضه كارتفاعه مبنيّ بحجارة الكدَّان التي سمك الحجر وطوله وعرضه من العشر أذرع إلى الثمان بحسب ما دعت الحاجة إلى وضعه في زيادته ونقصه وأوجبته الهندسة عندهم لأنهما كلما ارتفعا في البناء ضاقا حتى يصير أعلاهما من كل واحد منهما مثل مبرك جمل وقد ملئت حيطانهما بالكتابة اليونانية وقد ذكر قوم أنهما قبران وليس كذلك وإنما حمل صاحبهما على عملهما أنه قضى بالطوفان أنه يهلك جميع ما على وجه الأرض إلا ما حصن في مثلهما فخزن ذخائره وأمواله فيهما وأتى الطوفان ثم نضب فصار ما كان فيهما إلى بيصر بن مصرايم بن حام بن نوح وقد خزن فيهما بعض الملوك المتأخرين وجعلهما هراءه واللّه أعلم. وقال أبو يعقوب محمد بن إسحاق النديم الوراق في كتاب الفهرست: وقد ذكر هرمس البابليّ قد اختلف في أمره فقيل: إنه كان أحد السدنة السبعة الذين رتبوا لحفظ البيوت السبعة وإنه كان لترتيب عطارد وباسمه سُمي فإن عطارد باللغة الكلدانية: هرمس وقيل: إنه انتقل إلى أرض مصر بأسباب وإنه ملكها وكان له أولاد منهم: طا وصا وأشمن وأتريب وقفط وإنه كان حكيم زمانه وإنه لما توفي دفن في البناء الذي يعرف بمدينة مصر: بأبي هرمس ويعرفه العامة بالهرمين فإن أحدهما قبره والآخر قبر زوجته وقيل: قبر ابنه الذي خلفه بعد موته وهذه البنية يعني الأهرام:: طولها بالذراع الهاشمي أربعمائة ذراع وثمانون ذراعًا على مساحة أربعمائة وثمانين ذراعًا ثم ينخرط البناء فإذا حصل الإنسان في رأسه كان مقدار سطحه أربعين ذراعًا هذا بالهندسة وفي وسط هذا السطح قبة لطيفة في وسطها شبيهة بالمقبرة وعند رأس ذلك القبر صخرتان في نهاية النظافة والحسن وكثرة التلوّن وعلى كل واحدة منهما شخصان من حجارة صورة ذكر وأنثى وقد تلاقيا بوجهيهما وبيد الذكر لوح من حجارة فيه كتابة وبيد الأنثى مرآة والرف ذهب نقشه نقاش وبين الصخرتين برنية من حجارة على رأسها غطاء ذهب فلما قلع فإذا فيها شبيه بالنار بغير رائحة قد يبس وفيها حقة ذهب فنزع رأسها فإذا فيها دم عبيط ساعة قرعه الهواء جمد كما يجمد الدم وجف وعلى القبور أغطية حجارة فلما قلعت إذا رجل نائم على قفاه على نهاية الصحة والجفاف بين الخلقة ظاهر الشعور وإلى جنبه امرأة على هيئته قال: وذلك السطح منقر نحو قامة كما يدور مثل المسمار ذات آزاج من حجارة فيها صور وتماثيل مطروحة وقائمة وغير ذلك من الآلة التي لا تعرف أشكالها. وقال العلامة موفق الدين عبد اللطيف بن أبي العز يوسف بن أبي البركات محمد بن عليّ بن سعد البغدادي المعروف بابن المطحن في سيرته وجاء رجل جاهل عجميّ فخيّل إلى الملك العزيز عثمان بن صلاح الدين يوسف أن الهرم الصغير تحته مطلب فأخرج إليه الحجارين وأكثر العسكر وأخذوا في هدمه وأقاموا على ذلك شهورًا ثم تركوه عن عجز وخسران مبين في المال والعقل ومن يرى حجارة الهرم يقول: إنه قد استوصل الهرم ومن يرى الهرم لا يجد به إلا تشعيثًا يسيرًا وقد أشرفت على الحجارين فقلت لمقدّمهم: هل تقدرون على إعادته. فقال: لو بذل لنا السلطان عن كل حجر ألف دينار لم يمكنا ذلك. وقال أبو الحسن المسعودي في مروج الذهب: وأما الأهرام فطولها عظيم وبنيانها عجيب عليها أنواع من الكتابات بأقلام الأمم السالفة والممالك الدائرة لا يُدرى ما تلك الكتابة ولا المراد بها وقد قال من عني بتقدير ذرعها: أن مقدار ارتفاع الهرم الكبير ذهابًا في الجوّ نحو أربعمائة ذراع أو أكثر وكلما صعد دق ذلك والعرض نحو ما وصفنا وعليها من الرسوم علوم وخواص وسحر وأسرار الطبيعة وإن من تلك الكتابة مكتوبًا إنا بنيناها فمن يدّعي موازاتنا في الملك وبلوغ القدرة وانتهاء أمر السلطان فليهدمها وليزع رسمها فإن الهدم أيسر من البناء والتفريق أسهل من التأليف. وقد ذكر أن بعض ملوك الإسلام شرع يهدم بعضها فإذا خراج مصر لا يفي بقلعها وهي من الحجر والرخام وأنها قبور لملوك وكان الملك منهم إذا مات وضع في حوض من حجارة ويسمى بمصر والشام: الجرون وأطبق عليه ثم بني من الهرم على مقدار ما يريحون من ارتفاع الأساس ثم يحمل الحوض ويوضع وسط الهرم ثم يقنطر عليه البنيان ثم يرفعون البناء على المقدار الذي يرونه ويجعل باب الهرم تحت الهرم ثم يحفر له طريق في الأرض ويعقد أزج طوله تحت الأرض مائة ذراع أو أكثر ولكل هرم من هذه الأهرام باب مدخله على ما وصفت قال: وكان القوم يبنون الهرم من هذه الأهرام مدرجًا ذا مراق كالحرج فإذا فرغوا نحتوه من فوق إلى أسفل فهذه كانت جبلتهم وكانوا مع ذلك لهم قوّة وصبر وطاعة. وقال في كتاب البنية والأشراف: والهرمان اللذان في الجانب الغربيّ من فسطاط مصر هما من عجائب بنيان العالم كل واحد منهما أربعمائة ذراع في سمك مثل ذلك مبنيان بالحجر العظيم على الرياح الأربع كل ركن من أركانهما يقابل ريحًا منها فأعظمهما فيهما تأثيرًا ريح الجنوب وهي: المريسي وأحد هذين الهرمين قبر أعاديمون والآخر قبر هرمس وبينهما نحو ألف سنة وأعاديمون المتقدّم وكان سكان مصر وهم الأقباط يعتقدون نبولهما قبل ظهور النصرانية فيهم على ما يوجبه رأي الصابئين في النبوّات لا على طريق الوحي بل هم عندهم نفوس طاهرة صفت وتهذبت من أدناس هذا العالم فاتحدت بهم موادّ علوية فأخبروا عن الكائنات قبل كونها وعن سرائر العالم وغير ذلك وفي العرب: من اليمانية من يرى أنهما قبر شدّاد بن عاد وغيره من ملوكهم السالفة الذين غلبوا على بلاد مصر في قديم الدهر وهم العرب العارية من العماليق وغيرهم وهي عند من ذكرنا من الصابئين قبور أجساد طاهرة. وذكر أبو زيد البلخيّ: أنه وجد مكتوبًا على الأهرام بكتابتهم خط فعرّب فإذا هو: بني هذان الهرمان والنسر الوقع في السرطان فحسبوا من ذلك الوقت إلى الهجرة النبوية فإذا هو: ست وثلاثون ألف سنة شمسية مرتين يكون اثنتين وسبعين ألف سنة شمسية. وقال الهمداني في كتاب الإكليل: لم يوجد مما كان تحت الماء وقت الغرق من القرى قرية فيها بقية سوى نهاوند وجدت كما هي اليوم لم تتغير وأهرام الصعيد من أرض مصر. وذكر أبو محمد عبد الله بن عبد الرحيم القيسي في كتاب تحفة الألباب: أن الأهرام مربعة الجملة مثلثة الوجوه وعددها ثمانية عشر هرمًا في مقابلة مصر الفسطاط ثلاثة أهرام أكبرها دورة ألفا ذراع في كل وجه خمسمائة ذراع وعلوه خمسمائة ذراع وكل حجر من حجارتهما ثلاثون ذراعًا في غلظ عشرة أذرع قد أحكم إلصاقه ونحته. ومنها عند مدينة فرعون يوسف هرم أعظم وأكبر دوره ثلاثة آلاف ذراع وعلوه سبعمائة من حجارة كل حجر خمسون ذراعًا وعند مدينة فرعون موسى أهرام أكبر وأعظم وهرم آخر يعرف بهرم مدون كأنه جبل وهو خمس طبقات وفتح المأمون الهرم الكبير الذي تجاه الفسطاط قال: وقد دخلتُ في داخله فرأيت قبة مربعة الأسفل مدوّرة الأعلى كبيرة في وسطها بئر عمقها عشرة أذرع وهي مربعة ينزل الإنسان فيها فيجد في كل وجه من تربيع البئر بابًا يفضي إلى دار كبيرة فيها موتى من بني آدم عليهم أكفان كثيرة أكثر من مائة ثوب على كل واحد قد بليت بطول الزمان واسودّت وأجسامهم مثلنا ليسوا طوالًا ولم يسقط من أجسامهم ولا من شعورهم شيء وليس فيهم شيخ ولا مَن شعره أبيض وأجسادهم قوية لا يقدر الإنسان أن يزيل عضوًا من أعضائهم البتة ولكنهم خفوا حتى صاروا كالغثا لطول الزمان وفي تلك البئر أربعة من الدور مملوءة بأجساد الموتى وفيها خفاش كثير وكانوا يدفنون أيضًا جميع الحيوان في الرمال ولقد وجدت ثيابًا ملفوفة كثيرًا مقدار جرمها أكثر من ذراع وقد احترقت تلك الثياب من القدم فأزلت الثياب إلى أن ظهرت خرق صحاح قوية بيض من كتان أمثال العصائب فيها أعلام من الحرير الأحمر وفي داخلها هدهد ميت لم يتناثر من ريشه ولا من جسده شيء كأنه قد مات الآن. وفي القبة التي في الهرم باب يفضي إلى علو الهرم وليس فيه درج عرضه نحو خمسة أشبار يقال: إنه صعد فيها في زمان المأمون فأفضوا إلى قبة صغيرة فيها صورة آدمي من حجر أخضر كالدهنج فأخرجت إلى المأمون فإذا هي مطبقة فلما فتحت وجد فيها جسد آدميّ عليه درع من ذهب مزين بأنواع الجواهر وعلى صدره نصل سيف لا قيمة له وعند رأسه حجر ياقوت أحمر كبيضة الدجاجة يضيء كلهب النار فأخذه المأمون. وقد رأيت الصنم الذي أخرج منه ذلك الميت ملقىَ عند باب دار الملك بمصر في سنة إحدى عشرة وخمسمائة. وقال القاضي الجليل أبو عبد اللّه محمد بن سلامة القضاعي: روي عليّ بن الحسن بن خلف بن قديد عن يحيى بن عثمان بن صالح عن محمد بن عليّ بن صخر التميميّ قال: حدّثني رجل من عجم مصر من قرية من قراها تدعى قفط وكان عالمًا بأمور مصر وأحوالها وطالبًا لكتبها القديمة ومعادنها قال: وجدنا في كتبنا القديمة قال: وأما الأهرام فإن قومًا احتفروا قبرًا في دير أبي هرميس فوجدوا فيه ميتًا في أكفانه وعلى صدره قرطاس ملفوت في خرق فاستخرجوه من الخرق فرأوا كتابًا لا يعرفونه وكان الكتاب بالقبطية الأولى فطلبوا من يقرأه لهم فلم يقدروا عليه فقيل لهم: إن بدير القلمون من أرض الفيوم راهبًا يقرأه فخرجوا إليه وقد ظنوا أنه في الضيعة فقرأه لهم وكان فيه: كُتب هذا الكتاب في أوّل سنة من ملك ديقلطيانس الملك وإنَّا استنسخناه من كتاب نُسخ: في أوّل سنة من ملك فيلبش الملك وإن فيلبش استنسخه من صحيفة من ذهب فرق كتابتها حرفًا حرفًا وكان من الكتاب الأوّل ترجمه له أخوان من القبط يقال لأحدهما: ايلو والآخر: يرثا وإن الملك فيلبس سألهما عن سبب معرفتهما بما جهله الناس من قراءته فذكرا أنهما من ولد رجل من أهل مصر الأوائل لم ينج من الطوفان من أهل مصر أحد غيره وكان سبب نجاته أنه أتى نوحًا عليه السلام فآمن به ولم يأته منأهل مصر غيره فحمله معه في السفينة فلما نضب ماء الطوفان أتى مصر ومعه نفر من ولد حام بن نوح وكان بها حتى هلك فورث ولده علم كتاب أهل مصر الأوّل فورثناه عنه كابرًا عن كابر. وكان تاريخه الذي مضى إلى أن استنسخه فيلبش ألفا وثلثمائة واثنتين وسبعين سنة وإنَّ الذي استنسخه في صحيفة من ذهب فرق كتابتها حرفًا حرفًا على ما وجده فيلبش وإن تاريخه إلى أن استنسخه ألف وسبعمائة سنة وخمس وثمانون سنة. وكان الكتاب المنسوخ: إنا نظرنا فيما تدل عليه النجوم فرأينا أن آفة نازلة من السماء وخارجة من الأرض فلما بان لنا الكون نظرنا ما هو فوجدناه ماءَ مفسدًا للأرض وحيوانها ونباتها فلما تمّ اليقين من ذلك عندنا قلنا لملكنا سوريد بن سهلوق: مُر ببناء أفروشات وقبر لك وقبر لأهل بيتك فبنى لهم الهرم الشرقيّ وبنى لأخيه هو حيت الهرم الغربيّ وبنى لابن هو حيت الهرم الملوّن وبنيت أفروشات في أسفل مصر وأعلاها فكتبنا في حيطانها علم غامض أمر النجوم وعللها والصنعة والهندسة والطلب وغير ذلك مما ينفع ويضرّ ملخصًا مفسرًا لمن عرف كلامنا وكتابتنا وإن هذه الآفة نازلة بأقطار العالم وذلك عند نزول قلب الأسد في أوّل دقيقة من رأس السرطان ويكون الكوكب عند نزوله إياها في هذه المواضع من الفلك الشمس والقمر في أوّل دقيقة من رأس الحمل وقوريس في درجة وثمان وعشرين دقيقة من الحمل وراويس في الحوت في تسع وعشرين درجة وثمان وعشرين دقيقة واويس في الحوت في تسع وعشرين درجة وثلاث دقائق وأفرد وبطر في الحوت في ثمان وعشرين درجة ودقائق وهرمس في الحوت في سبع وعشرين ودقائق والجوزهر في الميزان وأوج القمر في الأسد في خمس درجات ودقائق. ثم نظرنا هل يكون بعد هذه الآفة كون مُضرّ بالعالم. فأصبنا الكواكب تدل على أن آفة نازلة من السماء إلى الأرض وإنها ضدّ الآفة الأولى وهي نار محرقة أقطار العالم ثم نظرنا متى يكون هذا الكون المضر. فرأيناه يكون عند حلول قلب الأسد في آخر دقيقة من الدرجة الخامسة عشر من الأسد ويكون إبليس معه في دقيقة واحدة متصلة بقوريس من تثليث الرامي ويكون راويس مشتري في أوّل الأسد في آخر احتراقه ومعه آويس في دقيقة ويكون سليس في الدلو مقابلًا لإيليس الشمس ومعه الذنب في اثنتين وعشرين ويكون كسوف شديد له مكث يوازي القمر ويكون هرمس عطارد في بعده الأبعد أمامها مقبلين أما إفرد وبطن فللاستقامة وأما هرمس فللرجعة. قال الملك: فهل عندكم من خبر توقفونا عليه غير هاتين الآفتين. قالوا: إذا قطع قلب الأسد ثلثي سدس أدواره لم يبق من حيوان الأرض متحرّك إلا تلف فإذا استتم أدواره تحللت عقد الفلك وسقط على الأرض قال لهم: وأيّ يوم فيه انحلال الفلك قالوا: اليوم الثاني من بدو حركة الفلك فهذا ما كان في القرطاس. فلما مات الملك سوريد بن سهلوق دفن في الهرم الشرقيّ ودفن هوحيت في الهرم الغربيّ ودفن كرورس في الهرم الذي أسفله من حجارة أسوان وأعلاه كدان. ولهذه الأهرام أبواب في أزج تحت الأرض طول كل أزج مائة وخمسون ذراعًا. فأما باب الهرم الشرقيّ فمن الناحية البحرية وأما باب أزج الهرم الموزر فمن الناحية القبلية. وفي الأهرام من الذهب وحجارة الزمرد ما لا يحتمله الوصف. وإنَّ مترجم هذا الكتاب من القبطيّ إلى العربيّ أجمل التاريخين إلى أوّل يوم من توت وهو يوم الأحد طلوع شمسه سنة خمس وعشرين ومائتين من سني العرب فبلغت أربعة آلاف وثلثمائة وإحدى وعشرين سنة لسني الشمس ثم نظر كم مضى للطوفان إلى يومه هذا فوجده ألفًا وسبعمائة وإحدى وأربعين سنة وتسعة وخمسين يومًا وثلاث عشرة ساعة وأربعة أخماس ساعة وتسعة وخمسين جزءًا من أربعمائة جزء من ساعة فألقاها من الجملة فبقي معه ثلثمائة وتسع وتسعون سنة ومائتان وخمسة أيام وعشر ساعات وأحد وعشرون جزءًا من أربعمائة جزء من ساعة فعلم أن هذا الكتاب المؤرخ كُتب قبل الطوفان بهذه السنين والأيام والساعات والكسر من الساعة. وأما الهرم الذي بدير أبي هرميس فإنه قبر قرياس وكان فارس أهل مصر وكان يعدّ بألف فارس فإذا لقيهم لم يقوموا به وانهزموا وإنه مات فجزع الملك عليه جزعًا بلغ منه واكتأبت لموته الرعية فدفنوه بدير هرميس وبنوا عليه الهرم مدرجًا وكان طينه الذي بني به مع الحجارة من الفيوم وهذا معروف إذا نظر إلى طينه لم يعرف له معدن إلا بالفيوم وليس بمنف ووسيم له شبه من الطين. وأما قبر الملك صاحب قرياس هذا فإنه الهرم الكبير من الأهرام التي في بحري دير أبي هرميس وعلى بابه لوح كدان مكتوب فيه باللازورد طول اللوح: ذراعان في ذراع وكله مملوء كتبًا مثل كتب البرابي يصعد إلى باب الهرم بحرج بعضها صحيح لم ينخرم وفي هذا الهرم ذخائر صاحبه من الذهب وحجارة الزمرد وإنما سدّ بابه حجارة سقطت من أعاليه ومن وقف عليه رآه بيتًا. وقال ابن عفير عن أشياخه: أن جياد بن مياد بن شمر بن شدّاد بن عاد بن عوص بن أرم بن سام بن نوح عليه السلام ملك الإسكندرية وكانت تسمى إرم ذات العماد فطال ملكه وبلغ ثلثمائة سنة. وهو الذي سار وبنى الأهرام وزبر فيها: أنا جياد بن مياد بن شمر بن شدّاد الشادّ بزراعة الواد المؤيد الأوتاد الجامع الصخر في البلاد المجند الأجناد الناصب العماد الكند الكناد تخرجه أمّة اسم نبيها حماد آية ذلك إذا غشي بلد البلاد سبعة ملوك أجناس السواد تاريخ هذا الزبر ألف سنة وأربعمائة سنة عداد. وقال ابن عفير وابن عبد الحكم: وفي زمان شداد بن عاد بنيت الأهرام فيما ذكر بعض المحدّثين ولم نجد عند أحد من أهل العلم من أهل مصر معرفة في الأهرام ولا خبر ثبت. وقال محمد بن عبد اللّه بن عبد الحكيم: ما أحسب الأهرام بنيت إلا قبل الطوفان لأنها لو بنيت بعده لكان علمها عند الناس. وقال عبد الله بن شبرمة الجرهميّ: لما نزلت العماليق أرض مصر حين أخرجها جرهم من مكة بنت الأهرام واتخذت لها المصانع وبنت فيها العجائب ولم تزل بمصر حتى أخرجها مالك بن ذعر الخزاعي. وقال محمد بن عبد الحكم: كان من وراء الأهرام إلى المغرب أربعمائة مدينة سوى القرى من مصر إلى المغرب في غربيّ الأهرام. وقال ابن عفير: ولم يزل مشايخنا من أهل مصر يقولون: الأهرام بناها شدّاد بن عاد وهو الذي بنى المغار وجَنَّد الأجناد فالمغار والأجناد هي: الدفائن وكانوا يقولون بالرجعة وإذا مات أحدهم دفن معه ماله كائنًا ما كان وإن كان صانعًا دفن معه آلة صنعته وكانت الصابئة تحج إلى الأهرام. وقال أبو الريحان البيروتي في كتاب الآثار الباقية عن القرون الخالية: والفرس والمجوس تنكر الطوفان وأقرّ به بعض الفرس لكنهم قالوا: كان بالشام والمغرب منه شيء في زمان طمهورث ولكنه لم يعمّ العمران كله ولم يتجاوز عقبة حلوان ولم يبل ممالك الشرق وأن أهل المغرب لما أنذر به حكماؤهم بنوا أبنية كالهرمين بمصر ليدخلوها عند الآفة وإن آثار دماء الطوفان وتأثيرات الأمواج كانت بينة على أنصاف الهرمين لم تتجا وزهما انتهى. ويقال: إن الطوفان لما نضب ماؤه لم يوجد تحت الماء قرية سوى: نهاوند وجدت كما هي وأهرام مصر وبرابيها وهي التي بناها هرميس الأوّل الذي تسميه العرب: إدريس وكان قد ألهمه اللّه علم النجوم فدلته على أنه سينزل بالأرض آفة وأنه سيبقى بقية من العالم يحتاجون فيها إلى علم فبنى هو وأهل عصره الأهرام والبرابي وكتب علمه فيها. وقال أبو الصلت الأندلسيّ في رسالته: وقد ذكر أخلاق أهل مصر إلا أنه يظهر من أمرهم أنه كان فيهم طائفة من ذوي المعارف والعلوم وخصوصًا علم الهندسة والنجوم ويدل على ذلك ما خلفوه من الصنائع البديعة المعجزة كالأهرام والبرابي فإنها من الآثار التي حيرت الأذهان الثاقبة واستعجزت الأفكار الراجحة وتركت لها شغلًا بالتعجب منها والتفكر فيها وفي مثلها يقول أبو العلاء أحمد بن سليمان المعري من قصيدته التي يرثي بها أباه: تضلّ العقول الهبرزيات رشدها ولا يسلم الرأي القويم من الأفن وقد كان أرباب الفصاحة كلما رأوا حسنًا عدّوهُ من صنعة الجن وأيّ شيء أعجب وأغرب بعد مقدورات اللّه عز وجلّ ومصنوعاته من القدرة على بناء جسم جسيم من أعظم الحجارة مربع القاعدة مخروط الشكل ارتفاع عموده ثلثمائة ذراع وتسعة عشر ذراعًا يحيط به أربعة سطوح مثلثات متساويات الأضلاع طول كل ضلع منها: أربعمائة ذراع وستون وهو مع العظم من أحكام الصنعة وإتقان الهندام وحسن التقدير بحيث لم يتأثر إلى هلم جرًّا بعصف الرياح وهطل السحاب وزعزعة الزلازل وهذه صفة كل واحد من الهرمين المحاذيين للفسطاط من الجانب الغربيّ على ما شاهدناه منهما. وقد ذكرت عجائب مصر وإن ما على وجه الأرض بنية إلا وأنا أرثي لها من الليل والنهار إلا الهرمان فأنا أرثي لليل والنهار منهما وهذان الهرمان لهما إشراف على أرض مصر وإطلال على بطائحها وإصعاد في جوفها وهما اللذان أراد أبو الطيب المتنبي بقوله شعر: أين الذي الهرمان من بنيانه ما قومه ما يومه ما المصرع تتخلف الآثار عن سكانها حينًا ويدركها الفناء فتتبع واتفق يومًا إنا خرجنا إليهما فلما طفنا بهما واستدرنا حولهما كثر التعجب منهما فقال بعضنا: # بعيشك هل أبصرت أعجب منظرًا ** على طول ما أبصرت من هرمي مصر أنافًا عنانًا للسماء وأشرفا ** على الجوّ إشراف السماك أو النسـر وقد وافينا نشزًا من الأرض عاليًا ** كأنهما نهدان قاما على صـــدر وزعم قوم: أنَّ الأهرام قبور ملوك عظام آثروا أن يتميزوا بها على سائر الملوك بعد مماتهم كما تميزوا عنهم في حياتهم وتوخوا أن يبقى ذكرهم بسببها على تطاول الدهور وتراخي العصور. ولما وصل الخليفة المأمون إلى مصر أمر بنقبها فنقب أحد الهرمين المحاذيين للفسطاط بعد جهد شديد وعناء طويل فوجدوا داخله مهاوي ومراقي يهول أمرها ويعسر السلوك فيها ووجدوا في أعلاها بيتًا مكعبًا طول كل ضلع من أضلاعه نحو من ثمانية أذرع وفي وسطه حوض رخام مطبق فلما كشف غطاؤه لم يجدوا فيه غير رمّة بالية قد أتت عليها العصور الخالية فعند ذلك أمر المأمون بالكف عن نقب ما سواه ويقال: إن النفقة على نقبة كانت عظيمة والمؤونة شديدة.
: أن هرمس الأوّل المدعوّ بالمثلث بالنبوّة والملك والحكمة وهو الذي تسميه العبرانيون: خنوخ بن يزد بن مهلايل بن قينان بن آنوش بن شيث بن آدم عليه السلام وهو إدريس عليه السلام استدل من أحوال الكواكب على كون الطوفان يعمّ الأرض فأكثر من بنيان الأهرام وإيداعها الأموال وصحائف العلوم وما يشفق عليه من الذهاب والمروس حفظًا لها واحتياطًا عليها. ويقال: إن الذي بناها ملك اسمه: سوريد بن سهلوق بن سرياق وقال آخرون: إن الذي بنى الهرمين المحاذيين للفسطاط شدّاد بن عاد لرؤيا رآها والقبط تنكر دخول العمالقة بلد مصر وتحقق أن بانيها سوريد لرؤيا رآها وهي أن آفة تنزل من السماء وهي الطوفان وقالوا: إنه بناهما في مدّة ستة أشهر وغشاهما بالديباج الملوّن وكتب عليهما: قد بنيناهما في ستة أشهر قل لمن يأتي من بعدنا يهدمهما في ستمائة سنة فالهدم أيسر من البنيان وكسوناهما الديباج الملوّن فليكسهما حصرًا فالحصر أهون من الديباج ورأينا سطوح كل واحد من هذين الهرمين مخطوطة من أعلاها إلى أسفلها بسطور متضايقة متوازية من كتابة بانيها لا تعرف اليوم أحرفها ولا تفهم معانيها وبالجملة الأمر فيها عجيب حتى أن غاية الوصف لها والإغراق في العبارة عنها وعن حقيقة الموصوف منها بخلاف ما قاله عليّ بن العباس الروميّ وإن تباعد الموصوفان وتباين المقصودان إذ يقول: إذا ما وصفَت امرأَ لامرئ فلا تغلُ في وصفه واقصدِ فإنَّك إن تَغلُ تبدُ الظنو ن فيه إلى الغرض الأبعدِ فيصغر من حيث عظمته لفضل المغيب على المشهدِ ويقال: إنَّ المأمون أمر من صعد الهرم الكبير أن يدلي حبلًا فكان طوله ألف ذراع بالذراع الملكيّ وهو ذراع وخمسان وتربيعه أربعمائة ذراع في مثلها وكان صعوده في ثلاث ساعات من النهار وأنه وجد مقدار رأس الهرم قدر مبرك ثمانية جمال. ويقال: إنه وجد على المقبور في الهرم حلة قد بليت ولم يبق منها سوى سلوكها من الذهب وأنّ ثخانة الطلاء الذي عليه قدر شبر من مرّ وصبر. ويقال: إنه وجد في موضع من هذا الهرم إيوان في صدره ثلاثة أبواب على ثلاثة بيوت طول كل باب منها عشرة أذرع في عرض خمسة أذرع من رخام منحوت محكم الهندام وعلى صفحاته خط أزرق لم يحسنوا قراءته وأنهم أقاموا ثلاثة أيام يعملون الحيلة في فتح هذه الأبواب إلى أن رأوا أمامها على عشرة أذرع منها ثلاثة أعمدة من مرمر وفي كل عمود خرق في طوله وفي وسط الخرق صورة طائر ففي الأوّل من هذه العمد صورة حمام من حجر أخضر وفي الأوسط صورة بازي من حجر أصفر وفي العمود الثالث صورة ديك من حجر أحمر فحرّكوا البازي فتحرّك الباب الأوّل الذي في مقابلته فرفعوا البازي قليلًا فارتفع الباب وكان بحيث لا يرفعه مائة رجل من عظمه فرفعوا التمثالين الآخرين فارتفع البابان الآخران فدخلوا إلى البيت الأوسط فوجدوا فيه ثلاثة سرر من حجارة شفافة مضيئة وعليها ثلاثة من الأموات على كل ميت ثلاث حلل وعند رأسه مصحف بخط مجهول ووجدوا في البيت الآخر عدة رفوف من حجارة عليها أسفاط من حجارة فيها أوان من الذهب عجيبة الصنعة مرصعة بأنواع الجواهر ووجدوا في البيت الثالث عدّة رفوف من حجارة عليها أسفاط من حجارة فيها آلات الحرب وعدد السلاح فقيس منها سيف فكان طوله سبعة أشبار وكل درع من تلك الدروع اثنا عشر شبرًا فأمر المأمون بحمل ما وجد في البيوت وأمر فحطت العمد فانطبقت الأبواب كما كانت.
|